Canalblog
Suivre ce blog Administration + Créer mon blog

voix du maroc de demain

27 janvier 2011

من دخل البيت التونسي فقد آمن

تعد ثورة الشعب التونسي على نظام الجنرال زين العابدين بن علي القمعي، في الرابع عشر من يناير 2011، خروجا عن قواعد التحليل المعتمد في علم السياسة وعلم الاجتماع السياسي لتفكيك وفهم بعض المقولات حول النظام السياسي وبنيته والدولة ومؤسساتها والمجتمع وحراكه، كما ألحقت ضررا جسيما بشعارات الليبراليين الديمقراطيين، من كل ألوان الطيف السياسي والفكري، القائلة بأن مؤسسات الدولة والمشاركة في اللعبة السياسية هي المدخل الحقيقي نحو التغيير، وأسقطت فكرة "موت الشعوب" وسياسة القبضة الحديدية.

فبعد أن استيأس الناس، شعبا وأحزابا وقوى مجتمع، واطمأن النظام السياسي لانزواء الناس في منازلهم اتقاء حر نار نظامه البوليسي الشمولي، رهبا لا رغبا، وزهدوا في السياسة حفاظا على سلامتهم وأرواحهم، وبارك الغرب، حتى آخر لحظة، سياسات هذا النظام المستبد بدعوى أنه حقق الرفاه الاجتماعي والنمو الاقتصادي وساعد على استئصال تيارات المعارضة، خاصة ذات التوجه الإسلامي والقومي، أتته رياح تغيير عاتية من كل مكان، وسلطت عليه الأقدار شابا في مقتبل العمر، محمد بوعزيزي، بائع خضار، أضرم النار في جسده البريء تعبيرا عن رفضه للإهانة والظلم، لتبدأ نهاية نظام وانهيار حكم زين العابدين بن علي مع أول لفحة لهيب أكلت جسده الندي ومع أولى صيحاته من الألم والغضب.

لم يكن أحد، ولا حتى الرئيس المخلوع، يتوقع أن حادثا في حجم الاعتداء على بائع خضار من قبل بلدية في مدينة سيدي بوزيد، كما يحصل في بلادنا يوميا، في غياب الشروط الموضوعية، يمكن أن ينقل شعبا من قمة الخوف والرعب والاستسلام المطلق لأجهزة النظام الأمنية والاستخباراتية إلى قمة التحرر من الخوف وكسر القيود والانعتاق من إرهاب الدولة البوليسية، خلال ظرف زمني قياسي. لقد كان الشعب التونسي يعتبر نظام بن علي نمرا، فإذا به نمر من ورق، نظام يتهاوى مثل حبات السبحة.

نطرح هنا أسئلة على الدول المغاربية التي تحترم ذكاء وإرادة الشعوب وتأخذ العبرة مما حدث في تونس ويحدث في السودان، حفاظا على مصالحها على الأقل، وليس على الأنظمة الحمقاء، لتعيد النظر في سياساتها الاجتماعية والأمنية والاقتصادية والحقوقية وتصوبها نحو وجهة الشعوب لا في اتجاع معاكس لإرادتها ومطالبها.

ماذا عساها أن تصنع أنظمة المغرب العربي أمام هذه التطورات السريعة والكاسحة؟ هل ستقرؤها في اتجاه المصالحة مع الشعب وقواه السياسية وجعل السلطة تداول بين الناس والثروة قسمة عادلة وتمكن المؤسسات الدستورية من مراقبة أفعالها أم ستذهب في اتجاه المزيد من التضييق والتوجس وسوء الظن؟ هل ستتضامن مع الشعب التونسي أم ستبكي على الرئيس المخلوع؟

على أنظمة المنطقة المغاربية أن تأخذ ما حصل في تونس على محمل الجد وألا تعتبر ذلك شأنا تونسيا وأن بلدانها في مأمن من أي انزلاق أو انفلات على الطريقة التونسية، كما يدعي طابورها الخامس ومتزلفيها، الذين هم أول من يلعنها فور سقوطها. إذ أظهرت حالة تونس أن الشروط الموضوعية، بمعنى وجود أحزاب ونقابات وحياة سياسية تؤطر المواطن وتعارض سياسات السلطة اللااجتماعية، ليست ضرورية لإحداث التغيير، وإنما تكفي الشروط الذاتية النابعة من الإحساس بالظلم واليأس والإرادة القوية والإيمان بالقدر، الذي يتحالف دائما مع المستضعفين.

على الأنظمة السياسية أن تعلم أن صمام أمانها الأوحد لضمان الاستمرارية هو احترام إرادة الشعوب وخياراتها وقيمها، قيم الحرية والعدالة والمعتقد والديمقراطية الحقة، وأن خط دفاعها الأول ليس أجهزتها البوليسية والأمنية والاستخباراتية، وإنما المؤسسات المنتخبة بنزاهة، وأن تحصن نفسها بالقانون ضد أي تجاوز كيفما كان ومن أي جهة كانت.

على الأنظمة السياسية المغاربية أن تعلم أن مصلحتها تكمن في النهوض بشؤون شعوبها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والحقوقية والسياسية، وليس في تعميق آلامها واستدامة فقرها وإرهابها ودفعها إلى الانتحار. عليها أن تتحرك بسرعة، بعد زلزال تونس وموجاته المدمرة، قبل فوات الأوان، وذلك في اتجاه المصالحة مع شعوبها وقواها السياسية والنقابية والحقوقية والإعلامية، وليس بضرب مصداقية الأحزاب وإفراغ العمل النقابي من مضمونه النضالي وتمييع الحياة السياسية من خلال خلق "قوى" سياسية افتراضية وفوقية موالية تتبنى خطابا معارضا ومنتقدا لبعض سياسات السلطة والحكومة لاستمالة الشعب وخداعه.

على حكام المنطقة المغاربية أن يتذكروا أنه إذا كان زعماء وقادة حركة التحرر الوطني لم ينجحوا في إقامة مغرب عربي قوي ومتحد ومزدهر، منذ أن أعلنوا ذلك خلال فترة مكافحة الاستعمار الفرنسي والإيطالي في أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وأسسوا مكتب المغرب العربي بالقاهرة لهذا الغرض الاستراتيجي، فإن شعوب المغرب العربي قادرة اليوم وغدا على ذلك، ويمثل النموذج التونسي أولى إشاراته ولبناته، ستليها لبنات وإشارات أخرى في باقي أقطار هذا الكيان المغاربي الذي اهترأ وخابت آماله بسبب الصراعات عديمة الجدوى والمفتعلة وتدخلات القوى الأجنبية في شؤونه.

إن ما جعل العديد من الأنظمة السياسية المغاربية، بل وحتى الغربية، تتوجس خيفة من الثورة التونسية وتداعياتها وقضت مضجعها والتزمت "صمت الحملان"، هو أنها أول ثورة شعبية في بلد سني في التاريخ العربي الحديث، ثانيا أنه لم يظهر بعد توجهها السياسي والفكري، وثالثا أنها ثورة تصنع وتختار قادتها وليس العكس، ورابعا أن بواعث هذه الثورة وأسباب انطلاق شرارتها، من احتقان سياسي وظلم اجتماعي ونهب للثروات الوطنية واحتكار للسلطة، موجودة في كل بلدان المغرب العربي، خامسا أن هذه الثورة لم تتلق أي مساعدة من جهة خارجية وإنما انطلقت من رحم المجتمع التونسي، وسادسا أن الوعي الوطني والسياسي لدى الشعب التونسي وصلابته واستماته والتزامه بسقف مطالبه السياسية، فاجأ الجميع، حيث كان جل المحللين والمراقبين للأوضاع في تونس يعتقدون أن الشعب التونسي مات سياسيا.

لقد مات الشعب التونسي حقا بفعل سياسات القمع والرعب والتنكيل التي مارسها الجنرال الرهيب بن علي على مدى 23 سنة، لكنه انتفض وانبعث من الرماد شرارة حارقة كالفينق وتغذت ثورته من معاناته وآلامه وحرمانه، ليصبح زلزالا هادرا ونقطة بداية تسونامي لن توقفه الحدود المصطنعة ولن يحتاج إلى تأشيرة دخول لباقي الأقطار، ولن يبقي شيئا في طريقه إذا لم يتم التعامل معه بعبرة بالغة وحكمة سياسية بعيدة النظر تقدم مصلحة المجتمع واستقرار الدولة على مصلحة النظام السياسي.

هكذا انطلقت شرارة حركة التحرر الوطني وجيش التحرير، منذ عشرينيات القرن الماضي حتى الاستقلال، لم يأخذها الاستعمار على محمل الجد، فاكتسحت المنطقة المغاربية وأشعلت النار تحت قدميه وحاربته في كل مكان، وطردته خائبا ونالت استقلال أوطانها وتسلمت السلطة بعد نضال شرس دام عقودا، فهل تعتبر الأنظمة السياسية اليوم وتأخذ حركة التحرر الشعبي الجديدة على محمل الجد، وإلا فات الأوان. 

علاء الدين بنهادي

                                                                           دبلوماسي سابق

Publicité
Publicité
voix du maroc de demain
  • il s`agit d`un espace libre et responsable où tous les marocains peuvent échanger leurs points de vue sur leur patrie, leur société et leur Etat, et conclure un nouveau contrat socio-politique et un systeme de valeurs fondateurs d`une nouvelle ére et d`un
  • Accueil du blog
  • Créer un blog avec CanalBlog
Publicité
Publicité